أظهرت بيانات سوق العمل الأمريكي لشهر يوليو إشارات واضحة على التباطؤ، في وقت حساس يشهد فيه الاقتصاد الأمريكي توترات متزايدة بسبب السياسات النقدية والرسوم الجمركية والتدخل السياسي في المؤسسات المستقلة. ودفعت الأرقام الضعيفة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التصعيد مجددًا، ما زاد من حالة القلق في الأسواق بشأن مستقبل الاقتصاد والسياسة النقدية.
تباطؤ سوق العمل في يوليو مع تراجع في القطاعات الحيوية
أعلن مكتب إحصاءات العمل أن الاقتصاد الأمريكي أضاف ٧٣,٠٠٠ وظيفة فقط في يوليو، مقارنة بتوقعات بلغت ١١٠,٠٠٠. كما تم تعديل بيانات مايو ويونيو بالخفض بمجموع ٢٥٨,٠٠٠ وظيفة، ما يعمّق صورة الضعف العام في سوق العمل.
ارتفع معدل البطالة إلى ٤.٢٪، متماشيًا مع التوقعات، لكنه يعكس ضغوطًا كامنة. في المقابل، سجل متوسط الأجور نموًا شهريًا بنسبة ٠.٣٪ وسنويًا بنسبة ٣.٩٪، متجاوزًا التوقعات. ⁽١⁾
وساهم قطاع الرعاية الصحية بإضافة ٥٥,٠٠٠ وظيفة، والخدمات الاجتماعية بـ ١٨,٠٠٠، أي أن هذين القطاعين شكّلا ٩٤٪ من إجمالي الوظائف الجديدة.
كما أضاف قطاع التجزئة ١٦,٠٠٠ وظيفة والقطاع المالي ١٥,٠٠٠. ⁽٢⁾
لكن الحكومة الفيدرالية فقدت ١٢,٠٠٠ وظيفة إضافية هذا الشهر، ليصل إجمالي الانخفاض منذ يناير إلى ٨٤,٠٠٠ وظيفة، وذلك قبل بدء وزارة “كفاءة الحكومة” بقيادة إيلون ماسك (DOGE) في تنفيذ سياسات تقشفية. كما تراجع التوظيف في قطاع التصنيع بـ ١١,٠٠٠ وظيفة. ⁽٣⁾
شكوك حول موثوقية بيانات BLS وإقالة مفاجئة للمفوضة
أثار تعديل البيانات إلى الأسفل – الذي وصفه مكتب إحصاءات العمل بأنه إجراء “طبيعي” – جدلاً واسعًا بشأن دقة البيانات الرسمية. ولم يُقدَّم تفسير واضح لتعديلات مايو ويونيو، ما دفع البعض للتشكيك في قدرة الفيدرالي على اتخاذ قرارات تستند إلى معلومات موثوقة. ⁽٤⁾
ووسط هذا الجدل، أقال الرئيس ترامب مفوضة المكتب “إيريكا ماكنترفار”، مدعيًا أن البيانات تم التلاعب بها للإضرار بسمعته، مما أثار مخاوف واسعة من تدخل سياسي في عمل مؤسسات يفترض أن تكون مستقلة. ⁽٥⁾
ضغوط حادة على الفيدرالي وخروج مفاجئ لعضوة في مجلسه
رغم تمسك الاحتياطي الفيدرالي بسعر الفائدة عند ٤.٥٪، إلا أن الأسواق أعادت تسعير توقعاتها عقب صدور تقرير الوظائف.
وبات احتمال خفض الفائدة بمقدار ٢٥ نقطة أساس في اجتماع سبتمبر يُقدّر الآن بنسبة ٨١٪، بعد أن كان ٣٨٪ فقط في اليوم السابق. ⁽٦⁾
وفي تطور لافت، أعلنت “أدريانا كوجلر” عضوة مجلس الاحتياطي الفيدرالي استقالتها، ما أضاف المزيد من الغموض إلى مستقبل السياسة النقدية في ظل علاقة متوترة بين الفيدرالي والرئيس ترامب.
الأسواق تتفاعل بحدة مع البيانات والرسوم الجديدة
تراجع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة ١.٣٨٪، مع ازدياد التوقعات بخفض الفائدة. وفي المقابل، ارتفع الذهب بنحو ٢٪، فيما هبطت الأسهم الأمريكية بشكل حاد، حيث خسر مؤشر داو جونز ٥٠٠ نقطة، وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز بنسبة ١.٦٪.
وتزامنت هذه التحركات مع إعلان ترامب فرض رسوم جمركية جديدة تدخل حيز التنفيذ في ٧ أغسطس، على العديد من الدول التي لم تتوصل بعد إلى اتفاق تجاري مع واشنطن، ما زاد من المخاوف التجارية.
رغم التباطؤ… مؤشرات أخرى تظهر قوة اقتصادية
ورغم ضعف التوظيف، أظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال في وضع قوي، حيث نما في الربع الثاني بنسبة ٣٪ على أساس ربعي، بفضل زيادة الواردات في الربع الأول قبل “يوم التحرير”. ⁽٧⁾
ومع تصاعد التوترات التجارية، وتغيير سياسات الهجرة والضرائب، أفادت مصادر في البيت الأبيض أن هذه التوترات إلى جانب تغييرات في السياسات الاقتصادية أثّرت على قرارات التوظيف لدى الشركات. وقد أثارت هذه العوامل مجتمعة تساؤلات حول مدى استعداد الشركات للتوظيف في ظل الظروف الحالية.